Sunday, May 17, 2009

هنا وبس .. حكاوي بلال فضل في بدر خان

وسط حضور جميل أغلبهم شباب .. كانت ندوة أو الأفضل تسميتها لقاء للأستاذ المشاكس المشاغب (على حد قوله هو نفسه) بلال فضل .. لقاء من أجمل لقاءات الفترة الحالية ..
بخفة ظله الجميلة وحضوره القوي .. استطاع ان يربط جمهور الحضور به طول الوقت .. ولا شخص تحرك طوال وقت اللقاء .. ولا كلام جانبي ولا تعليقات ولا حد بيمشي ..
اللقاء الذي أقيم في مكتبة بدر خان في شارع الهرم والذي كان عنوانه من البداية "بلال فضل يحكي عن ذكرياته مع الأفلام والأقلام والشقق المفروشة" كان بالفعل حكاوي .. على مدار أكثر من ساعة ونصف، أمتع بلال فضل الحضور بحكاويه والتي على الرغم من أنها حكاويه .. إلا أن بها الكثير ..

اللقاء حضره عدد من الصحفيين والكتاب والفنانين منهم :"أسامة البحيري – محمد خير – مخلوف – عبد الله – صلاح العزب – طلال فيصل " وغيرهم وطبعا الأستاذ : ايهاب عبد الحميد صاحب رواية عشاق خائبون والشريك في المكتبة.

قبل أن يبدأ اللقاء وبمجرد ظهور بلال فضل، هجم عليه الحضور .. وجلس ليوقع على كتبه وإصداراته .. ولم يكف عن إطلاق الإفيهات .. فبلال فضل الكاتب الصحفي هو نفسه بلال فضل السينارست وهو نفسه بلال فضل اللي ممكن تقابله على القهوة ..

أدار اللقاء ا/ سيد محمود الصحفي وصديق ا/بلال فضل .. والذي عمل معه في بدايات ظهور الدستور وقال عن هذه الفترة "بلال كان بيكتب ثلث الجرنان وثلث العناوين .. كنت دايما بسأل نفسي هو بيجيب الكلام ده منين .. أي رسالة بريد يخلق منها موضوع للكتابة وفي رأيي عمل أحسن صفحة للتواصل مع القراء حتى الآن"
بدأ ا/ سيد محمود اللقاء بأن أشاد بكتابات بلال فضل وقال : "بقرا كتبه وبتعجبني جدا .. بس ما بعرفشي اصنفها" .. وقال بأن بلال شخصية مثيرة للتساؤل والدهشة دائما لأنه " فيه مساحة كبيرة بين صحافته وأفلامه .. وعالم بلال فضل عالم مختلف ودايما عنده زاوية مختلفة للرؤية .. مثلا فيلم واحد من الناس مختلف عن مسلسل هيمة مختلف عن صايع بحر ومختلف عن بلطية العايمة .. واللي يعرف بلال كويس هيعرف انه بيتعب أوي في كتابته .. وبيقرا كويس .. هيجيله وقت ويرمم المسافة بين كتابته وقصصه وأفلامه"

ثم انتقل الميكروفون إلى أ/بلال .. وأول جملة قالها: "ما بحبش أكون عاجز بس أنا عاجز عن الشكر .. شعور العجز ده وحش أوي وللرجالة بذات" ..

وبدأ ا/بلال الحكي

عن الفاصل بين صحافة بلال فضل وبين أفلامه
"من يوم ما بدأت ولم تفلح كل الأفلام الجادة اللي قدمتها (3 من 16 فيلم كتير برده) في اعطاء إجابة عن السؤال الخاص بالمساحة بين صحافتي وأفلامي ..
كل حاجة في الحياة لها زاوية رؤية .. أنا دائما متخيل نفسي أصغر واحد في الدنيا .. لأن أصدقائي دائما ناس كبيرة .. عادل إمام .. محمود السعدني صلاح السعدني وغيرهم .. وحتى أصدقائي من نفس الجيل أكبر مني سنا .. ولذلك أنا دائما أرى نفسي أصغر شخص .. والحمد لله أنني مش كامل وإلا كنت وقعت في الشرك .. يعني أنا بساعد الناس ألا يشركوا بالله .. ويعرفوا انه لا يوجد انسان كامل ..
وأنا، الحمد لله، دائما لا أشكو من قلة أحبابي ولا من قلة أعدائي .. فعمر ما كتاباتي اتفق عليها الجميع .. وكما قال ا/سيد انني كنت أكتب ثلث العناوين في الدستور .. والصقت بيا كمية تهم غير عادية .. وديه حاجة أحمد ربنا عليها .. فأن يتمكن شخص واحد من حصر كل هذه التهم معا .. فديه حاجة تدعو للفخر فعلا ..

بندم على الأوقات اللي ضيعتها من عمري في محاولة إثبات ان أنا شخص كويس .. فديه نصيحتي لكم بجد .. ما تضيعوش وقتكم في ده .. دع أعمالك تدافع عنك .. خلي قصصك تحبب الناس فيك أو تكرههم فيك .. وهكذا .. هناك جملة عظيمة للرائع الشعراني الذي لم يبق من تراثه الفكري الكثير للأسف .. يقول " الملتف لا يصل" .. عليه رحمة الله الشعراوي ..
هنا توقف فجأة .. نسي كان هيقول ايه .. وا/ سيد فكره ..
فأكمل
كان ينام في الجنينة ليهرب من صاحب البيت الذي يطالبه بالإيجار!!
"أنا طلعت مثلا عدد من الكتب .. ولي أعمال سينمائية .. وكتب عني الكثير .. ولكني ما زلت أتصرف بنفس منطق الشخص الذي صحا في جنينة بجوار مستشفى الرمد على صوت أنفاس كلب يقترب منه ليتشممه ليرى ده هينفع يتاكل ولا ايه .. وذلك لأن صاحب العمارة كان بيغلق بابها بالحديد ليس حفاظا على ممتلكات ساكنيها لأنهم كلهم مش لاقيين ياكلوا .. ولكن عشان يقفشني وأنا راجع ليكلمني عن الإيجار الذي لم أدفعه من شهرين .. فكنت أهرب منه وأنام في الجناين ..

هذه اللحظة لا تفارقني حتى الآن .. ليس ضيقا أو حزنا .. بالعكس .. لأنني أرى أنني حصلت على أكثر مما أستحق .. محمد خير مرة في جلسة وأنا أدافع عن أبو علي بشدة . . قالي لي :هو انت هتكتب أفلامك وتنقدها؟
فمن يومها والجملة في دماغي .. اكتشفت أنني حين أعترض على الذين ينقدون أفلامي .. فأنا في الحقيقة أكون بكده لا أمارس الحرية التي أكتب عنها .. ما المشكلة في أن ننقد بعضنا؟ ايه المشكلة انك تكتب ان ده مش عاجبك .. هذا لا يعيبني ولا يعيبك ... الناس ما اتفقوش على سعاد حسني وعبد الحليم حافظ .. هيتفقوا عليا أنا؟

عندما يكتب الله لك النجاح .. ستنجح .. والنجاح الحقيقي ليس في عدد أعمال أو خلق أعمال يتفق عليها الجميع .. ولكنه في أن تكون جزءا من وجدان الآخرين .. زي سيد درويش مثلا .. وعندما تصبح جزءا من وجدان الآخرين لا يكفون عن نقدك .. ولا يسمحون لك بالخطأ .. دائما يحولون المبدع إلى أسطورة بشرية لا يمكن أن تخطئ .. مع ان ممكن أن يكون فنان عظيم وأسطورة فنية .. ولكن ليس بالضروة انسان عظيم وأسطورة .. فهو بشر في الآخر .. وكل البشر يخطئ .. واحنا بندي الموضوع أكبر من حجمه وده سبب تخلفنا ..
أنا توصلت بالخبرة وكثرة العمل إلى أن لذة العمل أهم بكثير من لذة النجاح فيه .. لا شئ يظل غير احساسك أنت انك بتشتغل .. هذا هو الأهم والأعظم

تجربة الدستور كانت سبب في تكوين وجدان الشباب
الكتابة في المصري اليوم تختلف عن الكتابة للدستور .. لأن الدستور عرف بأنه الحتة بتاعة المشاغبين .. وعلى الرغم من ذلك لم أتلق تهديدا واحدا في حياتي .. مكسوف أني أقول ولا حد عبرني ولا حد هددني ولا أي حاجة ..
مع ان ما نكتبه يؤثر في الناس .. يعني لا أحد ينكر ما أحدثته الدستور من حراك .. بدليل المدونات والحراك اللي حصل .. فتجربة الدستور والتجارب المماثلة كانت سبب في تكوين وجدان الشباب ..
أنا آخر واحد ممكن حد يحرضني أو يوزني .. أنا من المحرضين والوزازين .. مراتي نفسها ما بتعرفشي توزني ..
بلال يعارض للمعارضة وخلاص
أنا لست رجل سياسة .. أنا أحلم بأشياء مطلقة .. عايز السياسي يبقى تاريخه نظيف وسجله أبيض .. وهو ليس بالمستحيل .. فوجود ناس نظاف في وسط سياسيّ مصر أمر ممكن .. فأنا لا أستبدل مبارك بزعيم معارضة آخر فاسد .. ليس هذا هو هدفي .. بعارض المعارضة؟ فليكن .. فيه آية قرآنية " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا" .. ولكن أنا معارضاتي دائما أخلاقية تعارض مع المبدأ وليس الشخص .. فمثلا أنا لست ضد إسرائيل لأنها تقتل الأطفال .. لأن هذا معناه أنها لو كانت لا تقتل الأطفال كنب تقبلتها .. ولكن أنا ضد الفكرة نفسها .. أن يأتي أحد بإسم أسطورة أو نص ديني ليستولي على أرض أناس آخرين .. لذا فأنا لست ضد مبارك .. أنا ضد الحاكم الفاسد ..
هل بلال فضل مع الفقراء فعلا .. ولا واخدهم حاجة يكسب من وراها؟
وللأسف، كلنا نمارس تزييف وعي القارئ .. نكتب عن الفقراء فنزداد غنى .. ويزدادوا هم فقرا ..
أول عربية زيرو جبتها كانت بعد فيلم أبو علي .. ساعتها ما رضيتشي أشتري عربية مستفزة عشان الناس ما تقولشي اني بكتب عن الفقرا وبجيب عربيات زيرو ومتسفزة .. لكن لما الفلوس جريت في ايدي والتزماتي زادت وبقى عندي بنات وبقيت بسافر كتير احتجت لعربية كويسة فعلا ..

كنت مرة في المنتزه ورآني عامل يعمل هناك .. فجه حضنني وقعد يقول فيا كلااام .. والله أنا بحب حضرتك جدا .. وربنا يخليك .. ويكتر من أمثالك .. وأنا بنتي عندها أفلامك على الكمبيوتر .. وكلام من ده .. وبعدين أنا جيت ماشي فرحت ناحية العربية .. ولسه بطلع الريموت ببص للراجل لقيت في عينيه البصة اللي أنا عارفها .. يا بن الأفاقة .. فرحت قافل الباب وراجعله قولتله العربية ديه منكو .. من فلوسك اللي بتديها بنتك عشان تخش بيها أفلامي .. انت ليك فيها .. بس مش ليك في انك تركبها .. لكن ليك فيها باني أوعدك اني عمري ما أخون مبدأي وعمري ما أبطل أتكلم عنكو .. وأدافع عنكم دائما ..
ليه فيه أفلام لبلال فضل بتضحك وخلاص ومافيهاش فكرة؟
هذا هو المهم .. حاول أن تتصالح مع نفسك .. أنا لا تزعجني أبدا فكرة أن أكون مثيرا للتساؤل أو مثيرا للدهشة والإستنكار .. ولكن يزعجني أن أكون مثيرا للقرف .. لا بأس أن تكون أعمالي مثيرة للإستفزاز ولكن ليس للقرف .. والحكم على المبدع دائما يكون في آخرالجلسة .. يكون يوم موته ..

أنا مؤمن جدا باللي أنا بعمله .. وأخذت من الناس أكثر مما أستحق .. الناس تحاسبني على العمل كله وليس على السيناريو فقط .. كانت بتضايقني جدا في البداية .. ولكنني اكتشفت انها فخر ليا .. هو حد يطول؟

تعاملت مع الأستاذ علي بدرخان كثيرا .. وتعلمت منه الكثير .. وأهم ما تعلمته منه هو فكرة نوع الفيلم الذي تعمل عليه .. الفيلم نوعه كوميدي إذن هدفه الأساسي هو الإضحاك .. إذا كان من الممكن إيصال رسالة انسانية في مضمون الفيلم ماشي لكن إذا لم يمكن .. مش عيب ..
وبعدين لازم نعكس الواقع بتفاصيله زي ماهو .. كل واحد بيقدم الفقرا بالستايل اللي هو بيحبه ليهم .. أنا أدعي ان أعرف العشوائيات والفقرا كويس .. والفقرا ناس كويسين جدا .. وبيهزروا وبيضحكوا .. لذلكم أرجوكم .. حافظوا على بهجة الفقر في مصر .. هما مش عايزين حد يهديلهم بيوتهم ويبنيها من جديد ... هما عايزين مدرسة كويسة .. وحدة صحية .. كوباية مية نضيفة ..
****
إلى هنا توقف الحكي المطلق لتبدأ الأسئلة
سأله شخص عن اللحية فأجاب بأنها ليست لحية تدين ووحكى أنه أيام الفقر لم يكن يملك مالا ليحلقها .. فتركها وأحبتها زوجته بعد هذا .. فتركها من أجلها ..

وفي رد على سؤال عن الحال الذي وصلت إليه حال اللغة أجاب: "العامية بدأت كويسة ووصلت للإسفاف الآن .. أنا لست ضد أن نكتب بالعامية .. ولكن عامية متعوب فيها .. مش لغة الدردشة .. أنا الآن أكتب فصحى مطعمة بالعامية .. ومعظم كتبي التي أًصدرتها في الطبعات الجديدة لها غيرت اللغة العامية إلى فصحى بسيطة مطعمة "

لماذا لا يسمح بلال فضل بالتعليقات على مقاله في المصري اليوم؟
سأله أحد الحضور عن السر في أن مقاله هو الوحيد في المصري اليوم الذي لا يسمح بالتعليق عليه على الموقع .. فرد قائلا: "اشترطت عليهم لو سيفتحوا باب التعليقات .. أن يقوموا بإلغاء الأسماء الوهمية .. عشان القارئ اللي بيعلق يتحمل نتيجة رأيه زي ما أنا بتحمل نتيجة رأيي .. أما ان واحد يخش يشتمني وأنا ما أعرفشي أرد عليه .. فديه حاجة ما أقبلهاش .. لازم يبقى فيه طريقة نوصله بيها ويتعرض للمسائلة القانونية لو غلط فيا زي ما أنا بتعرض للمسائلة القانونية لو غلطت .. وكذلك حتى تصل فكرة المقال للجمهور .. لأنك لو جلست لتقرأ كل هذه التعليقات على المقال ... على الآخر هتكون نسيت موضوع المقال أصلا .. "
لماذا ترك الدستور؟
وفي سؤال لماذا ترك الدستور وعمل في المصري اليوم ... قال "أنا تركت الصحافة تركا كاملا في 1999 ... تركت الدستور لأنني رأيت أن تجربة الغضب والسخط في الدستور كانت ضرورة في البداية لكسر التابوهات .. ولكن ليس المفترض أن تظل هكذا وتصبح تابوها هي الآخر .. أنا ضد اننا نبقى بنعلي على بعض .. احنا كده بنخدع الناس بنحولهم من طرف أساسي بنتكلم عنه لمتفرج يشاهد إزاي بننزل مواضيع جريئة ..
لما دخلت المصري اليوم .. غيرت كتابتي .. وفقدت عددا لا بأس به من قراء الدستور .. وسعدت بفقدهم لأنه كما قال الأستاذ يحيي حقي "على الكاتب أحيانا أن يتخلص من بعض قرائه" .. وأنا عايز القارئ يطلع من المقال مستفيد .. أحسن ما يقعد يقوللي ربنا معاك وانت عظيم وربنا يوفقك .. والكاتب مش المفروض يقدم اللي القارئ عايزه .. لأن الكتابة اليومية ديه من أشق المهام .. بصحى من النوم بفكر في حاجة فبكتبها .. انما مش هكتب اللي القارئ عايزه ...

يقول أيضا: " أي دين أو فلسفة أو ما شابه يكون جوهرها في النهاية هو الحلم بالأفضل دائما"

وهكذا هو دور الفنان والمثقف دائما .. خلق حلم المستحيل ووهم الأمل عند الناس
******************
ظن بعد آخر جملة .. مش هلاقي حاجة أقولها أنا بقى .. فهكتفي بيها .. وأقولكو سلام ..
سمية ربيع
17/5/2007